خذلته النيابة في جمع الدلائل... وأهمل هو شهادات الشهود ودفاتر التسليح: هذا ما اطمئنت له عقيدة أحمد رفعت!
القاضي رفض إعمال المادة 11 التي كان يمكن أن تتلافى كل أخطاء المحاكمة
عقب صدور الحكم في قضية قتل المتظاهرين في شوارع وميادين مصر، ظهرت ردود فعل غاضبة مندهشة، فكيف يدان مبارك والعادلي دون إدانة معاوني العادلي، فيم لم يتمكن احد من قراءة الحكم، لنعلم لماذا انتهى القاضي إلى ما انتهى إليه، لكن القاضي احمد رفعت تلى نقاط من حيثيات الحكم، نستطيع أن نتفهم منها ملابسات حكمه الصادم.
المحكمة لم تدن مبارك أو العادلي أو معاونيه بالاتفاق أو التحريض على قتل المتظاهرين، بل أعلنت فيما أثارته من نقاط أنه لم يتم ضبط الفاعل الأصلي، ولا يوجد أى دليل في أوراق القضية، من تسجيلات صوتية أو مرئية، كما خلت أوراق القضية من أي اتصالات أو تسجيلات، والمحكمة لم تطمئن إلى ما ورد بدفاتر السلاح، لا يوجد دليل على حدوث جرائم قتل المتظاهرين والشروع فيه من رجال الشرطة، والتقارير الطبية لا تصلح دليلا على شخص محدثها، والتفتت المحكمة عن أقوال الشهود، إذن لا دليل ضد رجال الشرطة، وهذا يعنى أن قادة الشرطة لم تقم بتحريضهم ومدهم بالأسلحة لقتل المتظاهرين، إذن العادلى لم يحرضهم، ولم يتفق مع مبارك، فلا جريمة، ولا عقاب!.
المحكمة عاقبت مبارك والعادلي لأن كلا منهما كان عليه واجب قانوني امتنع عن أدائه، رغم علمه بما قد يسفر عنه امتناعه من حدوث وقائع قتل وشروع فيه، مبارك بوصفه رئيس الجمهورية حينها لم يقم بالالتزام القانوني عليه، المادة 74 من دستور 1971 تلزمه في حالة قيام خطر حال وجسيم يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستوري أن يتخذ الإجراءات السريعة لمواجهة هذا الخطر بعد أخذ رأي رئيس مجلس الوزراء ورئيسي مجلسي الشعب والشورى، ويوجه بيانا إلى الشعب ويجري الاستفتاء على ما اتخذه من إجراءات خلال ستين يوم من اتخاذها، لكنه امتنع عن هذا الالتزام وذهب إلى الحل الأمني، مع علمه بما يترتب على اللجوء للحل الأمني من خسائر في الأرواح.
والعادلي بوصفه يرأس وزارة الداخلية، ويصدر القرارات المنظمة لجميع شئونها وتنظيم عملها، حيث تختـص هـيئة الشرطـة بالمحافظة علـى النظام والأمن العام والآداب وبحماية الأرواح والأعراض والأموال، كما تختص بكفالة الطمأنينة والأمن للمواطنين في كافة المجالات، كان عليه عدم معالجة التظاهرات معالجة أمنية، بل بالوصول إلى قرار سياسي، إنما العادلي امتنع عن التزامه بكفالة الأمن للمواطنين وحماية أرواحهم وسعى في طريق الحل الأمني وعزز هذا من خلال قطعه الاتصالات لمنع التواصل بين المتظاهرين، كما أنه امتنع عن إصدار قرار بحماية المتظاهرين، مع علمه بما قد ينتج عن ذلك من ضحايا في الأرواح، وانفلات أمني.
السؤال الذي يطرح نفسه، إذا كانت أوراق القضية خالية، فماذا أحالت النيابة للمحكمة؟ أوراقا خاوية؟ وإذا كانت النيابة فعلت ذلك، ألا يمكن للمحكمة معالجة الأمر؟.
النيابة العامة في هذه القضية قامت بمجهود كبير على مستوى عدة محافظات، استمعت إلى ما يقرب من 1630 شخص، قامت بالاطلاع على دفاتر تحركات ودفاتر سلاح، حرزت ما تقدم به المواطنون إليها من أحراز كبندقيات أو طلقات وفوارغ خرطوش أو رصاص حي أو قنابل مسيلة للدموع، قامت بمعاينة عدة مناطق ومنها ميدان التحرير والجامعة الأمريكية وما حولها، والمتحف المصري وفندق هيلتون رمسيس، شاهدت العديد من المواد الفيلمية التي قدمها الأهالي، شاهدت أشرطة المخابرات الخاوية، كل هذا في 35 يوم فقط.
النيابة العامة -وهي من وجهت اتهامات للمتظاهرين المقبوض عليهم في 25 – 26 يناير 2011 بتعريض الأمن العام للخطر- أيضا لم تبذل مجهودا للوصول إلى الفاعل الأصلي من خلال دفاتر السلاح ودفاتر التحركات، لم تسع لمعرفة الأسلحة المستخدمة من خلال الطلقات المحرزة، لم تلتفت للتلاعب بأشرطة المخابرات، وكأن القول بأنه يتم التسجيل عليها مرة أخرى أمر مقبول، واستمرار استخدام شريط فيديو لمدة 15 عام يعقل، لم تكن ذات مهنية وحرفية، وحين تم توجيهها إلى وجود دليل قاطع وهو جهاز التسجيلات بغرفة عمليات الأمن المركزي، توجهت على الفور، إلا أن العميد مهندس المسئول عن جهاز التسجيلات بغرفة عمليات الأمن المركزي، تمكن من إتلاف السى دى المسجلة عليه حقيقة الأحداث، أي نعم حررت ضده جنحة إتلاف مال عام، لكن النيابة فقدت دليلا هاما في القضية، وكان من الأجدى أن تستعين بأحد من ذوي الخبرة معها لضمان حيدته.
بررت النيابة الضعف الذي شاب التحقيقات بأن جهاز الشرطة هو من يقوم بالتحريات والاستدلالات، فمن غير المعقول أن تقوم بهذا الدور لجمع أدلة ضد نفسها، فقامت النيابة بهذا الدور فكان عبئا عليها، ولم تعاونها أجهزة الدولة لكنها لم تتخذ أي إجراء ضد هذه الأجهزة.
لم توجه النيابة إلى مبارك اتهاما في البداية، وأحالت قضية العادلي لمحكمة الجنايات. وبعد الضغط الشعبي، فيما أطلق عليه جمعة التطهير والمحاكمة في 8 أبريل 2011، وبعدها إذاعة تسجيل صوتي لمبارك على قناة العربية، أعلن النائب العام حفظا لماء الوجه عن اتخاذ قرار ببدء التحقيق مع مبارك، وتم تجميع كافة الاتهامات ضد مبارك في قضية واحدة، مع عدم وجود علاقة بين الاتهامات: الاشتراك في قتل المتظاهرين، استغلال النفوذ لتربيح الغير والإضرار بالمال العام (دوره في تصدير الغاز لإسرائيل)، وقبول عطية له ولنجليه مقابل استعمال نفوذه (موضوع الفيلات بشرم الشيخ).
المحكمة رأت كافة ما شاب التحقيقات والأوراق من قصور، وقد طلب دفاع الضحايا مرارا وتكرار إعمال المادة 11 من قانون الإجراءات الجنائية، أي إعادة الأوراق مرة أخرى للنيابة العامة، للتحقيق مع خصوم جدد وفى وقائع جديدة، وهو ما كان يعنى إمكانية معالجة كافة الأمور واستكمال ما نقص بالتحقيقات، وبعدها تقوم النيابة العامة بإحالة أوراق القضية إلى دائرة أخرى، مما يعنى خروج القضية من يد الدائرة التي يرأسها القاضي أحمد رفعت، لذلك رفض هذا الطلب كلما كرره دفاع الضحايا، وهو ما قد يوحي بحرص الدائرة على الاستحواذ على قضية القرن، على حساب مسار القضية.
أدلة الدعوى فقيرة، لكنها رغم فقرها يمكن الوصول بها إلى إدانة المتهمين، خاصة أن للقاضي الجنائي أن يأخذ بما اطمئن إليه وجدانه وعقيدته، لكن وجدان المحكمة توصل إلى عدم إدانة المتهمين، خاصة بعد استنادها إلى عدم وجود أدلة قاطعة، والتفاتها عن باقي الأدلة الموجودة بالأوراق، فقد التفتت عن أقوال كل الشهود، من أطباء ميدانيين ومصابين وأهالي ضحايا وشهود عيان للوقائع، التفتت أيضا عن كل المواد الفيلمية التي التقطتها القنوات الفضائية أو الأفراد، ولم يطمئن وجدانها إلى ما تم إثباته بدفاتر السلاح الثابت بها كم الأسلحة التي خرجت على غير المعتاد في أحداث يناير 2011.
المحكمة برأت مبارك فيما يخص دوره في تصدير الغاز، إلا أنها لم تطرح أي نقاط عن الأسباب التي ذهبت بها إلى الحكم بالبراءة، علما بأن سامح فهمي وزير البترول الأسبق لا زال ينتظر الحكم عن نفس الموضوع لكن في قضية منفصلة، فلم تقم النيابة بالجمع بين المتهمين في قضية واحدة. أما عن الفيلات فقد قضت المحكمة بانقضاء الدعوى بالتقادم لمرور 10 سنين، وهل كان يجرؤ أحد على اتهام مبارك ونجليه قبل التنحي وقبل مرور مدة التقادم؟ هذا هو القانون.
المحكمة أيضا طرحت بدفاع الضحايا خارجا، فقررت إحالة الدعوى المدنية للمحكمة المختصة، لإزاحتهم من ساحة المحاكمة، وفصلهم عن مواكبة السير في الدعوى بكافة مراحلها.
لا تعليق على أحكام القضاء، لكن من حق كل مواطن الإسهام في الرقابة الشعبية، والمشاركة المجتمعية، والتعبير عن الرأي والنقد البناء حق دستوري، واستقلال مرفق القضاء لا يعنى عدم إمكانية النقد.
* نشر هذا المقال في جريدة التحرير 4 يونيو 2012.